Monday, September 28, 2009

أمم متحدة٥: غموض والتباس




قرأتم في الحلقة السابقة شرحا للخلاف التاريخي والحالي حول معنى قرار مجلس الأمن٢٤٢، وفي حلقة اليوم سأعرض لكم حوارا هاتفيا لا يتعلق بذلك القرار مباشرة، ولكنه متصل به في المعنى



شخصيتا الحوار، أمين عام الأمم المتحدة وراوي الحوار ج.غ
ج.غ، عَمِل مترجما في الأمانة العامة وأشرف على أعمال مجلس الأمن والجمعية العامة
المكان والزمان، نيويورك في خمسينات القرن العشرين
دار الحوار باللغة الفرنسية في مقدمته ثم تحول للانجليزية


كانت الساعة تشير إلى منتصف الليل إلا بضع دقائق عندما هم ج.غ للنوم ليتراح من عمل يوم شاق، لكن رب العمل كان مستمرا في عمله

ج.غ: ألو

الأمين العام: ج؟

ج.غ: هو بذاته

الأمين العام: أنا الأمين العام

ج.غ: أهلا! أهلا بسعادتكم

الأمين العام: هل أنت مَن عَدَّل القرار!؟

ج.غ: عن أي قرارٍ تتحدث؟

الأمين العام: عن النص الانجليزي للقرار رقم كذا

ج.غ: بالفعل أنا مَن عدله

الأمين العام: وعلى أي أساس؟

ج.غ: لأن النص احتوى على ما يسبب اللبس

الأمين العام: كيف؟

ج.غ: حضرت مباحثات القرار وجلسة إصداره ولاحظت غموضا يكتنف النص الانجليزي

الأمين العام: في الفقرة كذا... أ ليس كذلك!؟

ج.غ: نعم

الأمين العام: حسنا، ستتولى غدا إعادة النص إلى ما كان عليه

ج.غ: كيف!؟ والنص الفرنسي واضح ومتماشي مع المباحثات بينما النص الانجليزي أتى غامضا ولا يوصل المعنى

الأمين العام: وهكذا قُدِّرَ للقرارات أن تكون

ج.غ: لـما... ؟

طوط طوط طوط طوط

بهذا الحوار قصير المدة عميق المعنى أود أن تكونوا قد كونتم فكرة حول السلوك السائد في الأمم المتحدة منذ طفولتها، والذي لا يزال سائدا حتى يومنا هذا في تمييع المعنى متى ما أمكن ذلك ومتى لم يكن هناك من يعترض

أمم متحدة٤: المعنى في بطن الشاعر


في الثاني والعشرين من شهر نوفمبر لعام١٩٦٧ صدر قرار مجلس الأمن الشهير رقم٢٤٢ بالإجماع، والذي يختلف في تفسيره الإسرائيليون والأمريكان والبريطانيون ومن معهم من جهة والعرب والفرنسيون ومن معهم من جهة أخرى


اقباس من قرار مجلس الأمن٢٤٢ باللغتين الانجليزية والفرنسية


ففي الجزء الأول من النقطة الأولى للشق العامل من القرار، انظروا إلى الصورة أعلاه، زرع فتيل خلاف لغوي عن قصد أو غير قصد، وظل الفريقان منذ ذلك اليوم إلى يومنا هذا يختلفون في التفسير، فما معناه وما قصة الخلاف؟

يدور الخلاف حول عبارة: انسحاب القوات الإسرائيلية المسلحة من الإراضي التي احتلتها/أراضٍ احتلتها في الصراع الأخير

فهل المقصود بأن تنسحب إسرائيل من "الأراضي" المحتلة؟ أي الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة وهضبة الجولان وشبه جزيرة سيناء

أم المقصود أن تنسحب من "أراضٍ" محتلة؟ أي جزء من المناطق المذكورة أعلاه

والمشكلة تقع في أن الإشارة في النص الانجليزي كانت
from territories occupied
من دون تحديد

أما النص الفرنسي فقد أشار إلى
des territoires occupes
أي الأراضي كلها

وحجة معسكر النص الانجليزي هي أن المباحثات التي دارت لإصدار القرار كانت باللغة الانجليزية مما يرحج كفته
وبأن تعبير
des
بالفرنسية يحتمل احتمالين بالانجليزية
of
أو
of the
كما أن المندوب البريطاني قد شدد على أن نص القرار واضح لا لبس فيه وبأنهم، أي البريطانيون، غير ملزمين بتطبيق أي تأويل للنص، في إشارة منه إلى ما ينادي به معسكر النص الفرنسي


و معسكر النص الفرنسي يقول بأن النص بالفرنسية واضح ويعني الأراضي كلها، فكيف يتحدث قرارٌ عن أراضٍ محتلة ثم يطالب بالانسحاب من جزء منها أيا كان حجمه، كما يضيف هذا المعسكر بأن للغة الفرنسية ما للغة الانجليزية من رسمية وحجة في قرارات مجلس الأمن، حيث أنهما اللغتان الرسميتان لمجلس الأمن ولا يحق لكائن من كان أن يرفع من قيمة القرار في لغة دون الأخرى بغض النظر عن اللغة التي دارت بها المباحثات، لأن الحجة في النهاية للنص لا لما سبقه
ويضيف أيضا بأن
des
هي دمج فرنسي لـ
de+les
أي أن أداة التعريف واردة في النص الفرنسي بوضوح ودون أي لبس، وبأن المعسكر الآخر يلعب على وتر الشواذ والمتشابهات في الكلمات والمعاني بطريقة لا تستقيم مع الوضوح في النصوص القانونية

وبهذا أود أن أكون قد شرحت بإسهاب قصة خلاف امتد لأكثر من أربعة عقودة حول القرار٢٤٢، وسيمتد إلى حين، ويستمر الإسرائيليون في الإصرار على أنهم قد طبقوا القرار منذ السبعينات بابتدائهم الانسحاب من سيناء بعد حرب١٩٧٣ واتفاقية كامب ديفد مع مصر، بالإضافة إلى "فك الارتباط" بانسحابهم من قطاع غزة، وسيستمر الفلسطينيون بمطالبة إسرائيل والمجتمع الدولي بتطبيق القرار الأممي الذي تماطل إسرائيل في تطبيقه، ولكليهما حجته إلى أن يحكم القاضي، ولكن القاضي راضي

هل تعلمون من كان وراء كل هذا اللبس؟


إنه وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك، والذي كان أول مندوب لهم لدى الأمم المتحدة، الداهية آبا إيبان الذي يشهد الأعداء والأصدقاء بذكائه ومكره واحترافه للدبلوماسية، حيث كان هو من أوعز للأمريكان والبريطانيين بزرع تلك العبارة بين ثنايا القرار في آخر لحظة، وساعدته في ذلك مهارته وطلاقته في عشرة لغات حسب أحد المصار

في الحلقة القادمة سأعرض لكم حادثة من خمسينات القرن الماضي، تبين العقلية السائدة لدى كبار الدبلوماسيين وموظفي الأمم المتحدة والتي لا تستنكر مثل هذا اللبس

Saturday, September 26, 2009

أمم متحدة٣: القفص الخفي


أثناء الحرب الباردة كانت الولايات المتحدة، دولة المقر الرئيسي للأمم المتحدة، تعيش حالة من الريبة مع الاتحاد السوفييتي على المستوى الدبلوماسي حتى وصلت في إحدى حلقاتها إلى طرد البلدين لماءات الدبلوماسيين، والذي كان معظمهم مسجل كملحق ثقافي في واشنطن أو موسكو، بينما هم جواسيس متخفون، وكانت البقية ضحية أخذت بجرم الأغلبية مما جعل الولايات المتحدة تضع سياجا خفيا حول المناطق التي يتجول فيها دبلوماسيو الاتحاد السوفييتي وغيره من الدول في العاصمة الأمريكية والمدن التي توجد فيها قنصليات تلك الدول

انطبق الأمر على مدينة نيويورك، لأنها من وجهة النظر الأمريكية أصعب في السيطرة لكثرة الجنسيات فيها ولكثرة البعثات الدبلوماسية لدى الأمم المتحدة

كان السياج أو القفص الخفي في نيويورك، ولا يزال، دائرة قطرها ١٠أميال، ومركزها دوار كولومبس الواقع في الزاوية الغربية لأشهر حدائق نيويورك السنترال بارك والتي يمكن اعتبارها مركز المدينة من الناحية الجغرافية

ولا يزال دبلوماسيو بعض الدول في حاجة إلى تصريح للخروج من هذا القفص، ولكن فعليا من الصعب ضبط خروجهم نظرا لانسيابية الحركة في نيويورك من ناحية حرية التوجه لأي مكان دون عائق، ولكن المسؤول عن أمن الدبلوماسيين هناك هو الـ
Secret Service
وهو جهاز لا يتسهان به، حيث تندرج تحت مهامه أيضا، بل تتوجها، الحماية الدائمة واللصيقة للرئيس الأمريكي وأسرته

إن لم تخني الذاكرة فالدول الواقعة داخل هذا القفص هي
الصين
كوبا
سوريا
إيران
السودان
كوريا الشمالية
روسيا
صربيا
العراق

مع احتمال أن يكون البلدان الأخيران قد خرجا من هذا القفص نظرا للتحسن في علاقتهما مع الولايات المتحدة
بالإضافة إلى روسيا... يا لسخرية الأقدار

وهذا الأمر لا يعد سرا، فكلكم تمتلكون بريدا الكترونيا أو حسابا على أحد المواقع الأمريكية، وعند التسجيل سيطلب منكم الموافقة على شروط الاستخدام المعروفة بـ
Terms of Service

ستجدون في معظمها تحذيرا من التعامل مع عدد من الدول، وستجدون في معظم الأحول أن الدول التي ذكرتها أعلاه موجودة في ثنايا تلك الشروط التي نمر عليها مرور الكرام

Friday, September 25, 2009

أمم متحدة٢: عرفات... لا ينسى


قد يستفز الموضوع بعض القراء، لكنه لا يستفزني لأنه عرض تاريخي أستعرض فيه سوابق ساهم ياسر عرفات في صنعها

من منكم يتذكر عبارة
جئتكم بغصن الزيتون مع بندقية الثائر، فلا تسقطوا غصن الزيتون من يدي
؟؟؟؟

إنها العبارة الشهيرة التي قالها ياسر عرفات في قاعة الجمعية العامة عام١٩٧٤
عندما سمح له بالحديث من على منبر الجمعية في زمن كان الحديث فيه مقصورا على رؤساء وفود الدول الأعضاء في المنظمة

فهذه تعد السابقة الأولى

والثانية كانت عام١٩٨٨ عندما انتقلت الجمعية العامة للاجتماع في جنيف بدلا من نيويورك لأن الولايات المتحدة رفضت إصدار فيزا أو تأشيرة لياسر عرفات

نعود لعام ١٩٧٤
عندما نسي العاملون في الجمعية العامة أن الكرسي البيج المجاور للمنبر مخصص لرؤساء الدول الأعضاء فقط ليجلسوا عليها خلال تقديمهم للجمعية العامة من قبل رئيسها، أما سواهم وإن كانوا رؤساء وزراء أو نوابهم أو وزراء خارجية فلا يسمح لهم بالجلوس ولا حتى بتواجد الكرسي قبل كلماتهم

أما قبل تقديم عرفات لخطابه فقد ترك الكرسي، و تدارك العاملون هذا الخطأ بأن يقوم مدير البروتوكول أو المراسم بمرافقة عرفات حتى المنبر كي لا يجلس على الكرسي
ومنذ ذلك الحين كان الكرسي يوضع لعرفات متى ما حان دوره ليلقي كلمة للجمعية العامة دون أن يجلس عليه
واختلف الرواة على سبب وضع الكرسي، فمنهم من قال أنه خطأ وهناك من قال أن رئيس الجمعية العامة آنذاك، وزير خارجية الجزائر عبدالعزيز بوتفليقة، هو من أمر بوضعه

تلك كانت ثلاث سوابق أما الرابعة فكانت بعدما توفي عرفات عام٢٠٠٤ حيث دعت الجمعية العامة ليوم حداد تم فيه تنكيس أعلام الأمم المتحدة ووقفت الوفود فيه دقيقة حداد على روحه

أتركم مع بعض الصور من عام١٩٧٥ من مصادر مختلفة






Thursday, September 24, 2009

أمم متحدة١: تخطب وتمشي


هكذا وصف القائد الليبي معمر القذافي حال دول العالم وهي تخطب من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، في خطاب كانت مدته ساعة وخمس وثلاثين دقيقة، متخطيا المدة المتعارف عليها في كلمات رؤساء الوفود وهي عشرون دقيقة، حاله حال كثير من رؤساء الوفود، ولكن لا يمكن لأحدهم أن يكون ذا صبر وطول بال كالقذافي

فلنتجول مع القذافي في الأمم المتحدة
مصدر الصور: رويترز


صورة تذكارية من على أحد شرف مقر الأمم المتحدة ويظهر خلفه النهر الشرقي وحي كوينز والجزء الجنوبي من جزيرة روزفلت



يجلس بزهو على مقعد بلاده في مجلس الأمن، يذكر أن عضوية ليبيا في المجلس تنتهي آخر هذا العام




عند دخوله مبنى الأمم المتحدة



عند دخوله مبنى الأمم المتحدة يوم إلقاء خطبته











متجها إلى مقعد بلاده في قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتظهر في آخر صورة وزيرة خارجية موريتانيا، أول وزيرة خارجية عربية










الأخ العقيد محاضرا حول ميثاق الأمم المتحدة من على منبر جمعيتها العامة


بهذه الصور أتمنى أن أكون قد غطيت لكم كلمة ليبيا أمام الأمم المتحدة، الكلمة التي اختلط سمينها المبكي بغثها المضحك، ويمكنكم أن تشاهدوا الكلمة كاملة مبثوثة من موقع الأمم المتحدة من خلال الرابط التالي
http://www.un.org/ga/64/generaldebate/LY.shtml

لقد أبدع القائد الليبي في كلمته حتى غطى على البريق الذي اعتدناه من الرئيسين الايراني والفنزولي، وبما أننا في ذكر الرئيس الإيراني فقد اعتاد سنويا أن يبدأ خطابه سنويا بالكلمات التالية، ويقرؤها بالعربية

الحلقات سيتم نشرها بشكل آلي ومسبق بواقع حلقة كل يوم