في الثاني والعشرين من شهر نوفمبر لعام١٩٦٧ صدر قرار مجلس الأمن الشهير رقم٢٤٢ بالإجماع، والذي يختلف في تفسيره الإسرائيليون والأمريكان والبريطانيون ومن معهم من جهة والعرب والفرنسيون ومن معهم من جهة أخرى
اقباس من قرار مجلس الأمن٢٤٢ باللغتين الانجليزية والفرنسية
ففي الجزء الأول من النقطة الأولى للشق العامل من القرار، انظروا إلى الصورة أعلاه، زرع فتيل خلاف لغوي عن قصد أو غير قصد، وظل الفريقان منذ ذلك اليوم إلى يومنا هذا يختلفون في التفسير، فما معناه وما قصة الخلاف؟
يدور الخلاف حول عبارة: انسحاب القوات الإسرائيلية المسلحة من الإراضي التي احتلتها/أراضٍ احتلتها في الصراع الأخير
فهل المقصود بأن تنسحب إسرائيل من "الأراضي" المحتلة؟ أي الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة وهضبة الجولان وشبه جزيرة سيناء
أم المقصود أن تنسحب من "أراضٍ" محتلة؟ أي جزء من المناطق المذكورة أعلاه
والمشكلة تقع في أن الإشارة في النص الانجليزي كانت
from territories occupied
من دون تحديد
أما النص الفرنسي فقد أشار إلى
des territoires occupes
أي الأراضي كلها
وحجة معسكر النص الانجليزي هي أن المباحثات التي دارت لإصدار القرار كانت باللغة الانجليزية مما يرحج كفته
وبأن تعبير
des
بالفرنسية يحتمل احتمالين بالانجليزية
of
أو
of the
كما أن المندوب البريطاني قد شدد على أن نص القرار واضح لا لبس فيه وبأنهم، أي البريطانيون، غير ملزمين بتطبيق أي تأويل للنص، في إشارة منه إلى ما ينادي به معسكر النص الفرنسي
و معسكر النص الفرنسي يقول بأن النص بالفرنسية واضح ويعني الأراضي كلها، فكيف يتحدث قرارٌ عن أراضٍ محتلة ثم يطالب بالانسحاب من جزء منها أيا كان حجمه، كما يضيف هذا المعسكر بأن للغة الفرنسية ما للغة الانجليزية من رسمية وحجة في قرارات مجلس الأمن، حيث أنهما اللغتان الرسميتان لمجلس الأمن ولا يحق لكائن من كان أن يرفع من قيمة القرار في لغة دون الأخرى بغض النظر عن اللغة التي دارت بها المباحثات، لأن الحجة في النهاية للنص لا لما سبقه
ويضيف أيضا بأن
des
هي دمج فرنسي لـ
de+les
أي أن أداة التعريف واردة في النص الفرنسي بوضوح ودون أي لبس، وبأن المعسكر الآخر يلعب على وتر الشواذ والمتشابهات في الكلمات والمعاني بطريقة لا تستقيم مع الوضوح في النصوص القانونية
وبهذا أود أن أكون قد شرحت بإسهاب قصة خلاف امتد لأكثر من أربعة عقودة حول القرار٢٤٢، وسيمتد إلى حين، ويستمر الإسرائيليون في الإصرار على أنهم قد طبقوا القرار منذ السبعينات بابتدائهم الانسحاب من سيناء بعد حرب١٩٧٣ واتفاقية كامب ديفد مع مصر، بالإضافة إلى "فك الارتباط" بانسحابهم من قطاع غزة، وسيستمر الفلسطينيون بمطالبة إسرائيل والمجتمع الدولي بتطبيق القرار الأممي الذي تماطل إسرائيل في تطبيقه، ولكليهما حجته إلى أن يحكم القاضي، ولكن القاضي راضي
هل تعلمون من كان وراء كل هذا اللبس؟
إنه وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك، والذي كان أول مندوب لهم لدى الأمم المتحدة، الداهية آبا إيبان الذي يشهد الأعداء والأصدقاء بذكائه ومكره واحترافه للدبلوماسية، حيث كان هو من أوعز للأمريكان والبريطانيين بزرع تلك العبارة بين ثنايا القرار في آخر لحظة، وساعدته في ذلك مهارته وطلاقته في عشرة لغات حسب أحد المصار
في الحلقة القادمة سأعرض لكم حادثة من خمسينات القرن الماضي، تبين العقلية السائدة لدى كبار الدبلوماسيين وموظفي الأمم المتحدة والتي لا تستنكر مثل هذا اللبس
7 comments:
لويس كارول إنجليزي، و فتجنشتاين إنجليزي
و عليك الباقي
Keep it going brah.. Im really enjoying your knowledge !
فقط حبيت أقول لك أني متابع السلسلة بإستمتاع وصمت
شكراً على دوام المواضيع المميزة
في واحد بالاجتماع سوا روحه فاهم و قال يس يس يس و هو مستحي يقول شنو يعني هالجملة ؟
Deema,
ما فهمت
اعذري جهلي
B.Oz,
thanks :)
my "knowledge"!? I don't think so
لا تمدحني ترى أغتر، وغرور الرجل قاتله
Jandeef,
مرحب بك على الدوام
:)
Ma6goog,
أعرفه هذا! اليوم أجيب لك تزفه
يعني مشهورون باللعب بالكلمات و المعاني
الفرنسيين أكثر وضوحا و دائما لديهم تفصيل للماعني وافٍ و صريح، حتى كلمة الاختلاف لديهم فيها كلمتان، فهناك كلمة تعني الاختلاف المكاني، و كلمة لتعبر عن الاختلاف الزماني و كلتاهما مشتقتان من كلمة الاختلاف
و أوافق الرد الفرنسي على
de + les > des
هذا اللي تعلمته، و لكن ما هو أهم لغويا أن الكلمات الفرنسية "أصلا" لا تأتي غير معرفة أبدا
متابع بمتعه
Post a Comment