قبل حوالي ٦ سنوات كنت اشاهد مسلسلا تعرضه قناة العراق الفضائية (المنقرضة؟) وكان بطل المسلسل رسام هوايته رسم جيرانه في العمارة خاصة البنات الجميلات، وكان عندما يرسم احداهن يدعوها لجلسة قصيرة ليبدأ الرسمة ثم يكملها لاحقا من مخيلته
في أحد الايام طلب من حارس العمارة، العم جودة، أن يزوره في شقته ليرسمه
العم جودة رجل طاعن في السن غزت التجاعيد وجهه حتى اصبح كالارض الجافة
وعلى غير عادته في الرسم من المخيلة، طلب الرسام من العم جودة أن يزوره مرة ثانية وثالثة ليكمل الرسمة
سأله الحارس: لماذا تكمل رسم البنات من مخيلتك بينما تكمل رسمتي وأنا جالس أمامك
فأجابه: عم جودة، بوجهك معاناة سنين ما أريدها تضيع مني
=====================
تذكرت رد الرسام عندما قارنت وضعي وأنا أتابع أحوال الكويت من الخارج، من خلال الاتصالات والمسجات والايميلات ومواقع الصحف اليومية والمدونات، محاولا رسم صورة لأوضاع الكويت في شتى المجالات رغم ابتعادي الجغرافي عنها، معتمدا في ذلك على نعم التكنولوجيا
استطعت من خلال ذلك النظر إلى الكثير من الأمور بصورة مجردة سمحت لي أن أتفكر في قضايا عديدة واعدل وجهات نظري تجاهها
ولكن من يكون في الكويت وتدور الاوضاع وتفاصيلها حوله، الهام منها والتافه، يكون أكثر قربا والماما بها، كما يجلس العم جودة أمام الرسام في المسلسل
لذا، وبعد ان انتهى مشوار الاشهر العشرة خارج الكويت، وحول العالم من جنوب شرق آسيا إلى أمريكا اللاتينية مرورا بالكويت وبريطانيا، عدت إلى الكويت لتكون لي وأهلها كالعم جودة وأنا رسامه
قرت عيني برؤيا الكويت ولقياكم
وعلى قدر فرحتي بالعودة إلى الكويت وسعادتي بالتعرف خلال تواجدي في الخارج على أصدقاء أصبحوا بمثابة الأهل لي، بل بمثابة النفس مني، على قدر تلك الفرحة حزنت أيما حزن خلال أيامي الأخيرة هناك
ولا يسعفني في هذه اللحظة إلا الشاعر السوداني عبدالقادر الكتيابي الذي قال في قصيدته أحبابنا الأهل
أحبابنا الأهل لا شط المزار بكـم بعـد التدانـي ولا ملتـه دنيانـا
لولا المرابع والذكرى لما انطفأت بعض الحروق التي تشوي حنايانا
فيم التفرّق والأهـداف تجمعنـا؟ لا يعلـم السـرإلا الله مولانـا!
ما كـان أقربكـم منـا وأبعدكـم ما كـان أقربنـا منكـم وأدنانـا!
كم ذا أخاصم قلبي حين أهجركم وأمتري منـه سُلوانـا ونسيانـا
ويرفض القلب أن تنـأى قلوبكـم إن الحبيب حبيـب حيثمـا كانـا
لولا المرابع والذكرى لما انطفأت بعض الحروق التي تشوي حنايانا
فيم التفرّق والأهـداف تجمعنـا؟ لا يعلـم السـرإلا الله مولانـا!
ما كـان أقربكـم منـا وأبعدكـم ما كـان أقربنـا منكـم وأدنانـا!
كم ذا أخاصم قلبي حين أهجركم وأمتري منـه سُلوانـا ونسيانـا
ويرفض القلب أن تنـأى قلوبكـم إن الحبيب حبيـب حيثمـا كانـا